لأجلك يا سوريا

"لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم وسوريا'______ أندريه بارو

"Every person has two homelands...His own and Syria"______AndreParrot

2006/01/06

عودة وعي ... ولكن متأخرة

التصريحات التي أطلقها عبد الحليم خدام نائب الرئيسين السوريين الحالي والسابق , في مقابلته مع قناة العربية , كانت بمثابة قنبلة ضخمة زلزلت المنطقة سياسياً وربما أمنياً أيضاً كما أنها قنبلة دخانية في الوقت ذاته أراد منها صاحبها أن يستر جرائمه وجرائم أولاده , وأن ينسحب تحت دخانها الكثيف إلى بر الأمان إنها عودة وعي ولكنها جاءت متأخرة جداً ... نعم , لعلها تكون يقظة ضمير حتى ولو كانت متأخرة , وكما يقول المثل ( شيء خير من لا شيء ) ..التصريحات التي أطلقها عبد الحليم خدام نائب الرئيسين السوريين الحالي والسابق , في مقابلته مع قناة العربية , كانت بمثابة قنبلة ضخمة زلزلت المنطقة سياسياً وربما أمنياً أيضاً كما أنها قنبلة دخانية في الوقت ذاته أراد منها صاحبها أن يستر جرائمه وجرائم أولاده , وأن ينسحب تحت دخانها الكثيف إلى بر الأمان إنها عودة وعي ولكنها جاءت متأخرة جداً ... نعم , لعلها تكون يقظة ضمير حتى ولو كانت متأخرة , وكما يقول المثل ( شيء خير من لا شيء ) ..

في المقابلة نقاط كثيرة ومهمة بمكن التوقف عندها , إلا أننا سنكتفي بالوقوف على بعضها واستبطان بعض المعاني الموجودة خلف الألفاظ وبين السطور

1. يقول خدام إنه خرج إلى باريس ليكتب بهدوء , بعيدأً عن الضجيج السياسي وليؤرخ لحقبة استمرت قرابة نصف قرن من تاريخ سورية الذي يباهي بأنه عمل على رفع رأس سوريا خارجياً بين جميع دول العالم , وأن يحقق لها مكانة مرموقة في الساحتين العربية والدولية .. وهنا نتساءل : أتدري ياسيادة نائب الرئيس أبن أصبح رأس سوريا , وأين أصبحت رايتها عالمياً ؟ أنا أقول لك : جعلتموها منذ وصول حزبكم إلى السلطة – وأنت أحد أهم أركانه – جعلتموها دولة إرهابية في نظر العالم أجمع فلم تكفوا عن اغتيالات معارضيكم لا في لبنان ابتداء من محمد عمران إلى جبران تويني مروراً بكمال جنبلاط واللوزي ورشيد كرامي والمفتي حسن خالد والدكتور صبحي الصالح والرئيس رينيه معوض والقائمة طويلة ولا تكاد تنتهي , ولا في إسبانيا حيث تم اغتيال الشهيد الصباغ الداعية الإسلامي المعروف الذي كان من أهم منجزاته كسب اعتراف الدولة الإسبانية بالإسلام ديناً رسمياً لها إلىجانب الكاثوليكية واليهودية . بل ولم يسلم من اغتيالاتكم وملاحقتكم لمعارضيكم حتى النساء ؛ ويشهد على ذلك اغتيال الشهيدة بنان الطنطاوي زوجة الداعبة الكبير المعارض لسياستكم الأستاذ عصام العطار

2. ثم أتدري ياسيادة النائب أن من أهم منجزاتكم السياسية الخارجية أن جعلتم مواطنكم المرضي عنه الذي يحمل جواز سفر سوري في عهدكم الميمون كأنه يحمل في حقيبته المخدرات , بل أشد من ذلك كأنه يحمل معه قنبلة يدوية ؟... أما المواطن غير المرضي عنه حسب سياستكم الرشيدية فهو ممنوع أصلاً من الحصول على جواز سفر , لأن جواز السفر وثيقة للمواطنين الشرفاء فقط وهم الذين قبلوا أو سكتوا على الأقل على مظالمكم وسياساتكم , وبلعوا السكين حتى آخر نصلها . أما الذين لم يسعهم السكوت على مظالمكم وسياساتكم فهم لا يستحقون في قاموسكم الوطني لقب ( مواطنين شرفاء )

3. ثم هل نستطيع القول بأنكم آثرتم الابتعاد عن الساحة السورية إلى فرنسا طلباً للهدوء وبعيداً عن الضجيج السياسي بأنكم تقصدون ( بعيداً عن الرقابة الأمنية , فورّيتم عنها بكلمة الضجيج السياسي ؟ ) وإلاّ فأي ضجيج ستسمعون إذا اعتكفتم في قصر ما من قصوركم العامرة؟ وإذا كان للسياسة صخب وضجيج فهل سيتوقف ضجيجها عند حدود الدولة السورية ولن يتعداها ليصل إليكم في مقركم الآمن في باريس؟!.

4. ثم زعمتم أنكم ستعودون قريباً إلى سورية لأنها في قلبكم العاشق للوطن والوطنية , فهل نفهم من ذلك أنكم ستنتهون بهذه السرعة الصاروخية من تأريخ حقبة زمنية قوامها نصف قرن من الزمان هو الأحلك في تاريخ سوريا الحديث ؟ أم أنكم موعودون بالرجوع مسرعين على متن الشبح الأمريكية لتكون سيادتكم المخلص الموعود والمهدي المنتظر لبلاد الشام فتهبط بين جناحي الشبح عند المنارة البيضاء للمسجد الأموي , ونستغني بذلك عن هبوط عيسى السلام بين جناحي ملكين كريمين ؟؟!!!...

5. ثم لو أمعنّا النظر في كلام السيد خدام لوجدناه يكيل الذم لفترة الرئيس بشار ويسكت عن فترة أبيه لأنه كان أهم صانعي قرارها . فلو تناسينا ذلك ( لانسيناه لأن الأسى ما"ينتسى" كما يقال ) , ولو غطينا من ذاكرتنا تلك البقعة السوداء المظلمة التي امتدت مابين (1970 –وفاة الرئيس الأب حافظ الأسد عام 2000) لقلنا من وقع على قرار تعديل الدستور لإتاحة الفرصة أم بشار الأسد ليصبح رئيساً ملكياً وارثاً لملك أبيه؟ من الذي أقرّ أول بدعة دستوية في التاريخ تجيز وراثة الملك في الجمهوريات ؟ ومن الذي رقّى الرئيس من رتبة عقيد إلى رتبة فريق في قفزة واحدة , وكأنما قفز إليها بالزانة ( إحدى رياضات القفز بالعصا ) ؟ ... إذاً بكلمة أخرى من الذي ورَّط سورية الوطن التي في قلبك , وابتلى سورية الشعب الذي تقدم مصلحته على مصلحة السلطة كما تزعم برئيس تنتقد تصرفاته من أول ما تسلّم السلطة ؟

6. ينتقد السيد خدام الرئيس بشار أنه وعد بالإصلاح ولم ينفذ شيئاً , بل كان معرقلاً لعملية الإصلاح , وغير جادٍّ فيها . ونقول : لأي شيء يكون الإصلاح ؟ أليس للفساد؟ ألا يكون هذا الكلام اعترافاً بأن المرحلة السابقة ( أي مرحلة الرئيس الأب حافظ الأسد ) فاسدة وتستحق الإصلاح ؟ أوليس هذا ما أقره بشار أيضاً بإعلانه عن عزمه على الإصلاح ؟ بل أكثر من ذلك يعترف بشار بأن عجلة الإصلاح تدور ببطء شديد لأن فساداً استمر سنين طويلة لا يمكن إصلاحه في خمس سنوات !!!... أليس هذا اعترافاً من الرئيس بشار بفساد حقبة أبيه جملة وتفصيلاً , وأنه عاجز عن إصلاحها بهذه العجالة ؟؟!!..أليس هذا يعني أن الحقبتين فاسدتان ياسيادة نائب الرئيس؟!!...

7. ثم إذا تنصل نائب الرئيس من مسؤوليته عن الفساد بزعم أنه كان مسؤولاً عن الشؤون الخارجية , ونحن نعلم أن الإدارة في سورية شديدة المركزية , بمعنى أن القيادة مسؤولة عن كل شيء من الخارجية إلى الداخلية مروراً بالإعلام والثقافة والمالية وغير ذلك ... فمن حينئذ يكون عن انتشار الفساد الإداري من بائعي النفط باسمهم الشخصي إلى سارقين لخيرات البلاد إلى المرتشين إلى دافني النفايات النووية في أرض الوطن ؟؟!!. ومن هو المسؤول عن الدماء الطاهرة التي أريقت في سجون تدمر وحلب ودمشق وغيرها ؟؟.. ومن المسؤول عن المذابح الجماعية والمقابر الجماعية في حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها ؟؟..

8. وبالرغم من أن السيد خدام اختار مصلحة الوطن لا النظام _ على حد قوله _ فنراه يقول : " إذا جرؤ أحد على التفكير بمحاكمتي , يجب أن يحسب أنه سيكون يوماً في قفص الاتهام , فلدي الكثير ماأقوله" . ونقول : إذاً أين مصلحة الوطن ياسيادة النائب ؟ أفي كشف المجرمين أم في التستر عليهم؟! ألا تعلم وأنت المحامي –كما تقول – أن التستر على المجرم جريمة ؟ ثم تريد أن تقول لهم تستروا على جرائمي حتى أتستر على جرائمكم , أي من باب سياسة ( حكلي تاحكلك ) ... أهذه هي الوطنية التي تتشدق بها ؟.. وتنسى قول الله تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى " وقوله : " ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " ... عليك أن تفضح المجرمين ولو كلفك ذلك حياتك , هذه هي الوطنية , عليك أن تقول الحق مهما هدد الباطل وأرغى وأزبد... ولا تنسَ أن رأسك الذي بين كتفيك لاينزعه غيره ... إذا كنت صادقاً في توبتك عن الظلم والانحياز للظالمين , وإذا كنت صادقاً في الانحياز إلى الوطن ومصلحته والمواطن كرامته فعليك أن تسهم مااستطعت في تعرية الظالمين والفاسدين ... ألا يكفي هذا الوطن المسكين أن يتحمل الظلم نصف قرن؟ ألا يكفي هذا الشعب المصابر أن يقدم جيلين ليعيشا تحت الاضطهاد , ويرزحا تحت سياط الجلادين , وتسرق لقمة عيشهم حتى يصبح نصف هذا الشعب المسكين المصابر تحت خط الفقر؛ يبحث عن لقمته في حاويات القمامة – كما قال السيد خدام - ؟ . لقد فرحنا بعودة وعي السيد خدام ويقظة ضميره ولو كان متأخراً جداً , ولكن فرحتنا لم تدم طويلاً عندما شعرنا أنه سيسلك سياسة ( حكلي تاحكلك ) .

@@@

هذا عن خدام وبعض مقتطفات من مقابلته فيما يخص الشأن السوري دون غيره , اقتصرنا عليها حتى لايطول بنا المقام أكثر فأكثر ... ولكن ماذا عن ردة الفعل الرسمية من النظام الحاكم في سورية ؟؟...

لقد انطلقت أبواق النظام الحاكم في سورية لتكيل الشتائم والألفاظ السوقية التي تربَّوا عليها في حلقاتهم الحزبية فجعلوه حقيراً وقزماً وعميلاً وخائناً للوطن وسمعت بعضهم يقول : هو جاسوس يعمل لصالح الموساد الإسرائيلي ... وآخر يقول يجب قتله فوراً , هذا الخائن السارق للقمة الشعب ... وغير ذلك من الشتائم التي نزلت رشّاً كالمطر , أستغفر الله , بل نزلت رشّاً كوابل من الرصاص الذي اعتادوا أن يطلقوه على مواطنيهم ممن عارض سياساتهم الرشيدة ومسيرتهم الحكيمة ... ولا زلت أذكر موقفاً طريفاً حصل معي يوم الاستفتاء الثاني على الرئيس حافظ الأسد وكنت حينئذ طالباً في الجامعة ومدرساً في إحدى المدارس , إذ قاطعت الاستفتاء ولم أذهب لصندوق الاقتراع للإدلاء بصوتي فرآني رئيس الحلقة الحزبية في المنطقة وكان آذناً (فَرّاشاً) في المدرسة ذاتها التي أدرس فيها ومعه أحد المدرسين البعثيين , فقال لي : لِمَ لمَ تأتِ للإدلاء بصوتك ؟ قلت له لأنها مهزلة وليست استفتاء , فقال المدرس البعثي: أنت عميل وخائن ورجعي وبورجوازي وضد الطبقة الكادحة , ولا تستحق أن تكون معلماً للأجيال لأنك ستخرب عقولهم ... وراح يكيل الشتائم والاتهامات بلا حساب , قلت له : ولكنني مواطن ويحق لي أن أبدي رأيي ... قال : بل لست مواطناً شريفاً , ولا تستحق أن تعيش في سورية . ولما رددت عليه وفنّدت كلامه وكادت تقع بيننا الواقعة , قال رئيس الحلقة الحزبية الآذن ( الفرّاش ) : دعه يارفيق. ثم التفت إلي وقال : لابأس أستاذ , مو مشكلة لقد انتخبت وقلت نعم . قلت له : أنا ؟ قال : نعم أنت . قلت : كيف ؟ قال : أنا انتخبت عنك . قلت له : ولماذا انتخبت عني ؟ ومن وكّلك؟ قال : أشفقت عليك , وقلت في نفسي ننتخب عنه أحسن من أن تستدعيه المخابرات وينال جزاءه ..

هذا هو الفكر والنهج الذي تربي عليه السلطة الحاكمة في سوريا أتباعها وجالاتها والمطبّلين لها...

فلا عجب إذًا أن نرى رجالات مجلس الهرج والمرج والشغب الذي يسمونه زوراً (مجلس الشعب) أي المجلس الممثل للشعب , يقومون ويقعدون وكأنهم في حلبة مصارعة ... ويشتمون ويسبّون وكأنهم ( زعران وقبضايات ) أوائل القرن الماضي

ولكن أليس من حقنا أن نسأل هذا المجلس المبجل : أين كنتم عندما ارتكب خدام وأولاده جرائمهم التي تذكرونها ( أي أنكم تعرفونها جيداً ) ؟ ومن المسؤول عن محاسبة السلطة التنفيذية غبر البرلمان الذي يشكل السلطة التشريعية ؟.

ثم ماهذه السلطة التنفيذية التي تراقبونها وتتابعونها وتحاسبونها إذا كان رأس هرمها عميل وخائن وجاسوس ومرتبط بالعدو الصهيوني ؟؟!!.. ومن هو المسؤول الأكبر : الظالم أم المتعاون معه والمبارك له ؟ ... أهو العميل للعدو والجاسوس لصالحه أم الذي يتستر عليه وهو يعرفه ؟؟!!!..

ثم لماذا لم تحاسبوه من قبل وقد كنتم تعلمون عن كل شيء ؟؟!!.. ولماذا لم تحاسبوا قبله النائب الآخر لرئيس الجمهورية (رفعت الأسد) بعد أن طرده أخوه , وهو الذي قتل من قتل وسرق ماسرق , ونهب وفظّع ؟؟.. طبعاً أنتم أجبن من أن تفعلوا ذلك إن لم يأذن لكم القائد الملهم , أليس كذلك ؟؟!!..

أما كفى وطننا الحبيب مهازل؟؟.. أما كفانا سكوتاً عن الحق؟؟..أما كفانا تستراً على الظلم؟؟.. أما آن لنظامكم أن يضع عصاه على عاتقه ويرحل؟؟..