لأجلك يا سوريا

"لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم وسوريا'______ أندريه بارو

"Every person has two homelands...His own and Syria"______AndreParrot

2006/01/06

عبد الحليم خدام يتناسى أم يتنصل؟

. سعد الله خليل
تضمن حديث السيد عبد الحليم خدام على قناة العربية ثلاثة محاور رئيسية: أولها الوضع السوري الداخلي بتشعباته المختلفة بدءا من الحريات السياسية إلى الأجهزة الأمنية إلى الإصلاحات فالفقر فالفساد. وثانيها الوضع أو الملف اللبناني كما كان يسمى. وثالثها اغتيال الرئيس الحريري الذي طالب فيه بانتظار نتائج التحقيق الدولي، وإن كان قد امتدح تقرير ميليس ووصفه بالحرفية والمهنية، وألمح إلى تهديدات تلقاها الرئيس الحريري، وقساوة في التعامل معه قبيل التمديد للرئيس لحود.
1
تحدث السيد خدام عن الفساد وكأنه وليد يوم وليلة، وليس تراكم عقود وسنين عديدة مديدة كان فيها السيد خدام أحد القادة البارزين، المخططين والمنفذين، حيث بدأت تستشري هذه الآفة وتتراكم خبرات صانعيها ومرتكبيها وحماتها. فهل يحق للسيد خدام أن يتنصل من مسؤوليته في صنع الفساد، أو التستر عليه على الأقل؟ ألا يتذكر السيد خدام الهمهمات والاتهامات التي تناقلها الشعب السوري وتناولت أبناءه ودورهم في دفن نفايات نووية في بادية الشام؟ هل طالب بفتح تحقيق في هذا الشأن؟ هل يحق للسيد خدام أن يتساءل باستغراب واستهجان: كيف يمكن لموظفين لم يكن راتب واحدهم عام (1970) يزيد عن مائتي ليرة سورية أن يخلفوا بعد مماتهم ثروات تقدر بمليارات الدولارات! متجاهلا ثروته التي لم يذكر لنا مصادرها، ولم يفسر لنا أسبابها؟ من أين للسيد خدام هذه الملايين من الدولارات؟ وكيف هبطت عليه هذه النعمة الفاحشة؟ وهو منذ الستينات من ذوي الدخل المحدود أي موظفا حكوميا (مسؤولا) يتقاضى راتبا شهريا، ممنوع عليه بموجب القوانين السورية أن يتعاطى عملا آخر! هل كان السيد خدام مسؤولا نزيها لم يقبل الهدايا، ولا نقول الرشاوى؟ ثم لماذا تُقدم إليه الهدايا؟ ألسواد عينيه؟ أم لأنه في منصب يمكنه من تقديم هذا وتأخير ذاك، وحل هذه العقدة، وتعقيد تلك؟ أليس حاله كحال أولئك الموظفين الذين تحدث عن ثروتهم باستغراب واستهجان؟

2
يتحدث السيد خدام عن الفقر، وعن ملايين السوريين الذين لا يجدون ما يأكلونه بينما تتراكم الثروة في أيدي مجموعة قليلة من الناس في ظل غياب القانون كما يقول. وكأن الفقر قد هبط على السوريين فجأة من السماء؟ أو كأنه ليس نتيجة السياسات التي كان أحد أهم أعمدتها ومخططيها ومنفذيها؟ هل يذكر السيد خدام أن علبة المحارم الورقية، وعلبة السمنة التي كان يحصل عليها المواطن السوري في ظل تخطيط وتنفيذ السيد خدام كانت تستدعي وساطة مسؤول، وتسجل على دفتر العائلة، كي لا يتحايل المواطن ويأخذ علبتي محارم ورقية أو علبتي سمنة في الشهر؟ هل يعترف السيد خدام أن الدولار الأمريكي في ظل تخطيطه قد ارتفع من خمس ليرات إلى خمسين ليرة؟ وأن البالة كان مسموحا استيرادها، وكانت أكثر السلع استيرادا وربحا، وجزءا هاما من الشعب السوري كان يشتري ثيابه من البالة! لماذا لم ير السيد خدام الفقر حينها؟ هل كان من مصلحته أن يغمض عينيه آنذاك، وحين انتفت هذه المصلحة فتحهما فرأى؟

3
يتحدث السيد خدام عن الحريات العامة والديمقراطية فيقول أن الشعب السوري مصادرة حريته وممنوع عليه العمل السياسي، وتتسلط عليه الأجهزة الأمنية. وقد نسي السيد خدام أنه صاحب الرصاصة الأولى التي أطلقت على ربيع دمشق، وأكثر المحرضين عليه، وكان له الباع الطويل في حرقه وإجهاضه. كما نسي السيد خدام وهو يتحدث عن الحريات العامة التي أصبحت أفضل بكثير مما كانت عليه في أيامه، نسي الحملة الشعواء التي شنها على الصحون اللاقطة للمحطات الفضائية في سوريا، محاولا منعها، ومنع السوريين الاتصال بالعالم الخارجي، ومعرفة ما يدور. لماذا لم يطرح السيد خدام أفكاره وآراءه المساندة للديمقراطية والحريات حين كان نائبا للرئيس؟ لماذا كان يتهم كل من كان ينتقد أو يرفع صوته، بمعاداة الثورة والعروبة، والعمالة للاستعمار والصهيونية؟ هل كانت مصلحته وقد كان في الحكم تقتضي ذلك، وقد انتفت هذه المصلحة الآن؟ إن السيد خدام مهما حاول التنصل فإنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة حصلت في سوريا، ألم يكن واحدا من أهم أعمدة الحكم؟

4
أما فيما يتعلق بلبنان فقد جعل من نفسه العراب الصالح لذلك البلد، وكأنه لم يرتكب أي خطأ حين تولى المسؤولية في لبنان، وكأن الأخطاء لم تكن تراكمية، بل ولدت فجأة في الأعوام الأخيرة، وقبلها، في ظل قيادته، كان اللبنانيون في أحسن حال وأهنأ بال، دون أن يقدم سببا مقنعا في عدم تطبيقه لاتفاق الطائف خلال الفترة التي تولى فيها المسؤولية والتي امتدت من عام (1991 إلى 1998)، ودون أن يخبرنا لماذا مدد للرئيس الهراوي، وسجل سابقة على صعيد الدستور اللبناني، متجاهلا أيضا الحديث عن احتقانات بعض الطوائف اللبنانية، التي لم تنشأ من فراغ بل نتيجة للأخطاء الفادحة التي ارتكبت وامتدت من عهده.

5
كل من يفقد منصبه في سوريا يتباكى على الحريات العامة والديمقراطية ويلعن الفساد، مستغبيا الناس أو متناسيا أنه كان ركنا أساسيا في حماية وتكريس تلك المفاهيم والممارسات، والسيد عبد الحليم خدام الذي انتهى أو أُنهي دوره لأسباب عدة، واحد من هؤلاء الذين تفتحت عيونهم بعد أن فقدوا مناصبهم، فرأوا في لحظة ما لم استطاعوا أن يروه على مدى عقود طويلة، فسوق نفسه داعية للإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، حالما بأن يكون رجل المستقبل في سوريا.