لأجلك يا سوريا

"لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم وسوريا'______ أندريه بارو

"Every person has two homelands...His own and Syria"______AndreParrot

2005/07/26

ملوك الطوائف في بلاد الشام (الحلقة الخامسة) ا

ملوك الطوائف في بلاد الشام الحلقة الخامسة
الشيخ محمد سرور زين العابدين
فهل هؤلاء الدروز خونة وانعزاليون وعملاء لإسرائيل عند وليد جنبلاط وأبيه؟!
أما وليد فقد تعامل معهم، وكان على رأس من اتخذوا القرارات المؤسفة التي ذكرناها فيما مضى، أما أبوه فقد وضح موقفه في كتابه "هذه وصيتي"، وسننتقل فيما يلي فقرات من أقواله:
يثني كمال جنبلاط على شجاعة الدروز وحكمتهم لأنـهم لم يهربوا من ديارهم كما فعل غيرهم:
"... ولكن الدرزي من الحكمة بحيث أنه لا يتخلى عن أرضه متى جاء المحتل. والواقع أنه شديد الارتباط بأرضه وبمرابع طائفته. ثم لماذا الهرب؟ فخير للمرء أن يبقى على أن يترك موضعه للآخرين، وهذا هو المبدأ الذي طبقه الدروز عام 1947 و 1948 عندما حاول الإسرائيليون طرد العرب".
ثم يمضى الكاتب في ثنائه على الدروز، ولو فعل العرب كما فعل الدروز لما كان هناك مشكلة إسرائيل:
"وإذن فإن الدروز بقوا هناك وتدبروا أمورهم بحيث لا يستولي القوم على الكثير من أراضيهم، وبحيث يتمكنون من تحمل هذه الحياة المشتركة مع الإسرائيليين، وأعتقد شخصياً أنه لو أن الآخرين قلدوا الدروز بدلاً من الهرب، إذاً لما كان هناك مشكلة إسرائيل، لأنـهم ما كانوا سيتركون هذا الفراغ الذي يبلغ حجمه [1.200.000] إنسان وتأمل معي في إسرائيل يقطنها [1.600.000] عربي: درزي ومسيحي وسني... إذاً لما كان الإسرائيليون سيتمكنون بادئاً من استجلاب الكثير من اليهود من الخارج، كما أن الفلسطينيين كانوا سيشاركون بسهولة وعلى مستوى واحد في اقتصاد إسرائيل، وبالتالي في السلطة السياسية. وكانوا سيشاركون في الحكومة ويكونون أقلية قوية فعالة في البرلمان".
وإذن فجنبلاط يرى أن الذين خرجوا من فلسطين المحتلة خرجوا عن جبنٍ منهم وخوفٍ على أرواحهم ثم يتساءل: لماذا الهرب؟ ولماذا لا يقتدي الآخرون ببطولة الدروز واستخفافهم بالحياة: "فهم – أي الدروز – يرون أنه ما من فرح إلا وهو مختلط بالغ العناء، وما من هبوط إلا وراءه صعود... وليس ثمة من موت بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الميت لا يفعل سوى أنه يبدل لباسه الجثماني: فتبديل الأجسام كتبديل القمصان أو كما جاء في كتاب الحكمة: [ولا تخافوا من تمزيق أقمصتكم] أي ولا تخافوا من تمزيق أجسامكم. وجاء فيه أيضا: [ولا تخشى عدوك، فإن خشيتك له تعطيه سلطاناً عليك]".
ربط كمال جنبلاط في وصيته ما بين وجوب البذل والتضحية وبين عقيدة "التقمص" الدرزية، ويعني هذا الاعتقاد أن الجسد قميص للنفس، بل ثوب يخلق، وبيت يتهدم. فإذا بليت القميص انتقلت النفس إلى قميص آخر، ومن هنا جاءت كلمة التقمص [عن كتاب أصل الموحدين الدروز، لأمين طليع].
كمال جنبلاط الذي طالما تغنى بالتقدمية والاشتراكية والعلمانية يؤمن بخرافة التقمص، فهو في كتابه "هذه وصيتي" يدافع عن التقمص ويروي قصة شاب نصراني يعيش في جنوب لبنان كان قد أخبره بأنه يعيش حياة ثانية، وأنه قبل ما ينوف عن القرن بقليل كان يعيش في ميونخ، وعندما ذهب إلى هناك عثر على منـزله وقبره وكافة ما كان مألوفاً لديه!!، كما أن جنبلاط يؤمن بجميع عقائد الدروز، وله إلمام كبير بكتبهم ورسائلهم، فهو بينهم: رجل دين، وزعيم سياسي، وقائد عسكري. ورغم ذلك فلا يزال جمهور كبير من المسلمين يرون بأن جنبلاط وغيره من زعماء الطوائف الباطنية في بلاد الشام يستغلون طوائفهم استغلالاً سياسياً، أما عقائدهم وخرافاتـهم فلا يؤمنون بـها، وإنما يؤمنون بالعلمانية والاشتراكية والتقدمية والقومية!!.
هؤلاء كمن يلهث وراء سراب، ويلهث ويلهث ولا يريد أن يعترف بأنه سراب خادع: هل سمعتم بالبيان الرائع الذين أذاعه الأستاذ كمال جنبلاط؟!.
وهل بلغكم الموقف المشرف الذي وقفه الرئيس حافظ الأسد [أو بشار الأسد] الذي لا يضاهية موقف عربي آخر؟!.
هذا وذاك من الذين يؤمنون بالتقمص والتناسخ، وفضلاً عن ذلك فهما طائفيان باطنيان أولاً وأخيراً... ومثل من سار وراءهم من أبناء المسلمين كمثل من اتبع الشيطان: قال تعالى: ]كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله ربَّ العالمين[ [الحشر: 16].
ويمضي الكاتب في ثنائه وتبجيله لأبناء طائفته في فلسطين المحتلة، فيقول عن شيخ عقلهم الذي غرق في أوحال السياسة الإسرائيلية:
"... إنـهم – أي الدروز – بعيدون الآن، ولكن لديهم رئيساً روحياً رفيعاً يقودهم، وهو لا يزال على الرغم من سنيه الثمانين، أمثولة في الحكمة والتعقل...".
ليقل جنبلاط ما يشاء، وليتلاعب بالألفاظ كما يريد، فحقائق التاريخ تؤكد أن ارتباط الدروز باليهود بدأ منذ عشرينيات القرن الماضي. ولقد شاركوا في جميع حروب الإسرائيليين ضد العرب، وذكرنا فيما مضى من الأدلة ما فيه الكفاية، ولا يزال هذا الارتباط يشتد ويقوى، أما البطولة والتضحية وبذل النفس والمال فهو طبيعة في المسلمين الموحدين والعالم كله يشهد على ذلك. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فحزب الكتائب بقيادة بيار الجميل تعاون مع اليهود، ولكن هذا التعاون انقطع بسبب خلاف وقع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبشير الجميل بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، فالأول كان يريد كياناً طائفياً للموارنة تنفيذاً للمخططات الإسرائيلية الرامية إلى إقامة دويلات طائفية في المنطقة العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، أما بشير الجميل فقد تغير موقفه بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، ولم يعد عنده أدنى استعداد للمساومة على استقلال لبنان.
أدرك بيغن أن الموارنة قد غدروا به وورطوه بحرب كلفته الكثير، وعندما وقع حادث اغتيال بشير الجميل ظن الناس لأول وهلة أن حكومة إسرائيل هي التي تقف وراء هذه العملية.
فكيف يكون الموارنة: خونة، متآمرين، انعزاليين، وعملاء للصهيونية مع أن هذه العمالة كانت مؤقتة ثم انقطعت، ويكون دروز فلسطين المحتلة أبطالاً حكماء، ووطنيين مخلصين، مع أن ارتباطهم بالصهاينة بدأ منذ عشرينيات القرن الماضي، ولا يزيده مرور الأيام إلا قوة ووثوقاً، وما من عدوان وحشي ارتكبه الجيش الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين المحتلة أو ضد لبنان وسورية والأردن ومصر إلا والدروز شركاء للمعتدين في كل جرائمهم!!.
إن كمالاً أو ابنه أو أي درزي لابد وأن ينظر إلى الأمور بمنظار طائفي ضيق وقد يرفع أي شعار، ويؤدي أدواراً متناقضة، لكن هذا كله خداع وتضليل، وعندما يجد الجد فهو درزي أولاً وأخيراً.