لأجلك يا سوريا

"لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم وسوريا'______ أندريه بارو

"Every person has two homelands...His own and Syria"______AndreParrot

2005/07/26

ملوك الطوائف في بلاد الشام (الحلقة الرابعة) ا

ملوك الطوائف (الحلقة الرابعة)
الشيخ محمد سرور زين العابدين
وقــفات

الوقفة الأولى:
1 – بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في [4/6/2005] وفي [11/6/2005] اتخذ الدروز قرارهم بعدم التصدي للاجتياح، أو لنقل أكد الدروز قرارهم المتخذ سلفاً، والدليل على ذلك: رفعهم للرايات البيضاء عند وصول القوات الإسرائيلية إلى مناطقهم.
القرار الدرزي المتخذ في قصر المختارة يمثل الإجماع الدرزي لأن جميع القيادات الدينية والسياسية والعسكرية، وجميع الوجهاء والأعيان شاركوا في اتخاذه، ولم نسمع أن مجموعة منهم خرجت على هذا الإجماع وقاتلت مع القوات الإسلامية والوطنية والفلسطينية التي تصدت للغزو. وها هو الزعيم الفلسطيني صلاح خلف يقول في صدد بيان أسباب الهزيمة التي منيت بـها قواتـهم:
"حُرمنا من أن نضع مدفعاً واحداً من قبل الدروز، ورئيس الحركة الوطنية [وليد جنبلاط] بالذات".
خلف يتحدث بلغة المقهور، فهو يقول للناس جميعاً: لقد خذلنا وغدر بنا الدروز جميعاً ومن غير استثناء، وحتى صاحبنا رئيس الحركة الوطنية وليد جنبلاط لم نسلم من غدره.
والذي أود التأكيد عليه أن الموقف الدرزي ليس فيه ما يدعو إلى الاستغراب، بل الاستغراب ممن ينتظر منهم خلاف ذلك. إن السياسيين والإعلاميين، وبعض الإسلاميين السنيين يفكرون بعقلية لا تختلف عن عقلية الأطفال، فالطفل يأخذ الأمور على ظاهرها، فهو يفرح ويتقرب منك إذا رآك تبتسم له، ويغضب وينفر منك إذا عبست بوجهه، وطالما رأينا شريحة واسعة من هؤلاء يهتفون بالتأييد والإعجاب لتصريح أدلى به زعيم درزي دون أن يربطوا بين ما يقوله هذا الزعيم اليوم وما قد قاله بالأمس، وقد يعودون إلى نقده – ولكن على استحياء – لأن فعله جاء مخالفاً لقوله.
صلاح خلف وهو من دهاة قادة منظمة التحرير يفكر بعقلية طفل، هذا إذا أخذنا أقواله على ظاهرها. إنه في هذا الموضع يشتكي بمرارة من الدروز ومن رئيس الحركة الوطنية، ولكنه في موضع آخر يفكر بعقلية أخرى، ففي كتابه: "فلسطيني بلا هوية" يحدثنا عن لقاء عاصف بين ياسر عرفات ورئيس جمهورية لبنان الأسبق سليمان فرنجية، وحضره كشهود سفيرا مصر والسعودية، وعدد من ضباط الجيش اللبناني السنيين... وتدخل خلف ليخفف من لهجة الحديث الصاخب بين الزعيمين: اللبناني والفلسطيني، فبدأ حديثه بمدح الرئيس اللبناني على ما قدمه للقضية الفلسطينية من خدمات جليلة، ثم انتقل إلى جوهر الموضوع، فقال:
"لقد حاولنا إقامة توازن متساو بين كافة الطوائف، وذلك لأن من مصلحتنا إقامة علاقات حسنة مع كافة الأهالي أولاً ولأن الحركة الفلسطينية هي حركة علمانية بصورة قاطعة، ثانياً. ومن المشهور الذائع أن الفلسطينيين لم يصابوا بالمكروب الطائفي أبداً. وأنـهم ما عرفوا التمييز بين المسلم والمسيحي. بل إن التمييز غريب عن عقليتنا بحيث أن بعض أبرز القادة الفلسطينيين كجورج حبش ونايف حواتمة هم من أبناء الطائفة المسيحية.
وقد عرضنا دوافعنا العميقة لزعماء اليمين المسيحي مرات عديدة، فنحن وطنيون فلسطينيون مطاردون خائفون. ولسنا نخجل بالتسليم بخوفنا وقلقنا. والدولة اللبنانية التي يؤطرها الموارنة ويقودونـها تخيفنا.
ولهذا نريد التفاهم مع الأحزاب المسيحية التي هي أدوات السلطة. إلا أن هذه الأحزاب أطرحتنا ورفضتنا"... ثم يمضي خلف في حديثه فيفسر التقارب بين الفلسطينيين والزعماء السياسيين السنة تفسيراً فيه الكثير جداً من التحامل والاستصغار ونكران الجميل:
"فإذا كنا أقرب إلى المسلمين وإلى اليمين الإسلامي الذي يمثله رجالات كصائب سلام ورشيد كرامي فلأننا لا نخشى شيئاً من جانبهم. فاليمين الإسلامي محكوم لأسباب انتخابية وسياسية ومحلية – وأسباب أخرى تتعلق بالمنطقة – أن يدعم حركتنا. وكذلك الأمر بالنسبة لليسار الذي لا يمكن أن يضربنا لأسباب مماثلة".
رشيد كرامي قضى نحبه من أجل مواقفه الوطنية، ومثله صائب سلام الذي بات لا يأمن على نفسه في بلده فعاش سنوات المحنة في الغربة. هذا وذاك من رؤوساء وزراء لبنان ليس لهم فضل في دعم ومساندة خلف وقومه لأنـهم مجبرون على ذلك!!، أما كمال جنبلاط فيحسن الظن به حتى لو فعل بالفلسطينيين أكثر مما فعله اليمين المسيحي:
"... فالزعيم الاشتراكي كمال جنبلاط كان لدى تسلمه وزارة الداخلية أقسى علينا من القادة المسيحيين. إلا أننا كنا نعلم أنه لا يذهب إلى حد طعننا في الظهر".
كانت هناك أسباب تدعو إلى سوء الظن بكمال جنبلاط، ولعل من أهمها سعيه من أجل أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية على أكتاف منظمة التحرير والقوات الوطنية، ومنها أيضاً علاقاته المشبوهة بالأمريكان التي سنأتي على ذكرها، مع ذلك كله فسيئاته حسنات عند صلاح خلف وقومه، ولا مجال للمقارنة بينه وبين كل من رشيد كرامي وصائب سلام، وها هو يقول في موضع آخر من مذكراته:
"وبرغم بعض التباينات التكتيكية التي كانت بيننا وبين جنبلاط من حين لآخر، إلا أننا كنا نكن أعظم الإحترام لرئيس الحركة الوطنية، فقد كان جنبلاط – تغمده الله بالرحمة – وطنياً صادقاً عظيماً، وقائداً سياسياً عبقرياً. وكان له دراية عميقة وفهم فطري للبنان واللبنانيين الذين يحبهم بكل جوارح وجوده" إلا أنه لسوء الحظ لم يكن يدرك دائماً تعقيد الظرف العربي واللعبة التي تدور على المسرح الدولي" من المؤسف أن كل من لم يصب بالمكروب الطائفي [على حد زعم صلاخ خلف] ولا يفرق بين مسيحي ومسلم يفكر بمثل ما يفكر به صلاح خلف، والمشكلة أن بعض هؤلاء يسيطرون على مقاليد الحكم في بلادنا، والبعض الآخر يمتلكون إمكانات إعلامية ومالية ضخمة، وهؤلاء وأولئك يتبعهم جمهور الناس في بلادنا.
الوقفة الثانية:
هل آل جنبلاط أهل لاحتكار الوطنية والمتاجرة بـها؟ وهل لهم تاريخ في العمل الوطني كتاريخ آل أرسلان [شكيب وأخيه عادل] أو كتاريخ سلطان الأطرش؟.
وليد جنبلاط وأبوه من قبله، وحزبـهما التقدمي الاشتراكي من أكثر الناس احتكاراً للوطنية والمتاجرة بـها، فكل من يخالفهم يتهمونه بالعمال لإسرائيل أو لأمريكا أو لفرنسا، أو على الأقل هو حليف للعملاء، وقاموسهم حافل بالمصطلحات التالية: خائن، عميل، صهيوني، انعزالي، رجعي، متخلف... فأين هم مما يرمون به غيرهم؟.
للجواب على هذا السؤال سأتحدث فيما يلي عن موقفهم من خيانة وعمالة دروز فلسطين المحتلة لإسرائيل ثم أتحدث بشيء من الإيجاز عن موقف آل جنبلاط من فرنسا أيام احتلالها للبنان.
جنبلاط ودروز فلسطين المحتلة: مرَّ معنا أن الجيش الإسرائيلي كلف كتيبة درزية من قواته المسلحة باحتلال الشوف، ثم اختار الكولونيل الدرزي سعيد عبد الحق حاكماً عسكرياً لها... وقام الحاكم الجديد بتنظيم اتصالات علنية بين أعيان الطائفة في كل من لبنان وفلسطين المحتلة، ومن الذين شملتهم هذه الرعاية وليد جنبلاط وسائر أعوانه ومساعديه، وإذن فهم – وحسب مصطلحاتـهم – عملاء خونة!! هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن تعاون دروز فلسطين المحتلة مع الإسرائيليين وثيق جداً، ففي عام 1955 طبقت إسرائيل قانون التجنيد الإلزامي على أبناء الطائفة الدرزية دون بقية الطوائف العربية، وشارك الدروز إلى جانب إسرائيل في جميع حروبـها ضد العرب، وكانوا من أشرس المقاتلين وأكثرهم وحشية وهمجية.
ويعمل الدروز في أجهزة أمن إسرائيل، أي في الشرطة، وحرس الحدود، والسجون، والجوازات، ويتولى الدروز الإشراف على وضع المناهج العربية في إسرائيل، ولهذا فالكتب المدرسية العربية جاءت لتعكس أهداف إسرائيل ومخططاتـها التوسعية في بلادنا، وتعكس من جهة أخرى الظلم والاضطهاد الذي كان الدروز يتعرضون له في كل من سورية ولبنان، وكيف حصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
ومن أجل قطع الطريق على كل متأول للتعاون الدرزي الإسرائيلي لابد لنا من الوقوف على الحقيقتين التاليتين:
الأولى: ينفذ الدروز في تعاونـهم بل في ارتباطهم المطلق مع اليهود تعليمات قياداتـهم السياسية والدينية من أمثال: أمين طريف شيخ عقالهم، وجبر داهش معدي، ولبيب أبو الركن، وصالح خنيفس، وهؤلاء الثلاثة كانوا أعضاء في الكنيست الإسرائيلي في دورات مختلفة منذ عام 1951 وحتى عام 1961.
الثانية: التعاون الدرزي الإسرائيلي منذ عشرينيات القرن الماضي. وهذا ما يقوله الدروز أنفسهم أمثال: غالب مصلح، وأمين الأعور، وعاصم الخطيب. يقول الكاتب الدرزي غالب أبو مصلح بعد ذكره أسماء: جبر داهش، ولبيب أبو الركن، وصالح خنيفس: "وثلاثتهم كانوا عملاء مخابرات الهاغاناه قبل اغتصاب فلسطين"، ويتحدث والد الشيخ حسن أبي الركن عن أبيه وعن عدد من أعيان الدروز فيقول: إن عملهم في الهاغاناه والوكالة اليهودية بدأ منذ عام 1927، وكانت الهيئة العربية العليا تلاحقهم بسبب عمالتهم للمنظمات اليهودية ويقول غالب أبو مصلح عن القيادة الدينية:
"وقد بررت السلطات الإسرائيلية موقفها هذا بدعوى أن الزعامة الدرزية الدينية [أمين طريف يقف على رأسها] والسياسية والعائلية قد طالبت بالتجنيد... هذه الزعامة التي بنيت في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ووفقا لمقاييسه ورغباته ومصالحه"[1].
ونختم هذه النقول عن الكتاب الدروز – وليس من غيرهم – بمقاطع لأبي مصلح من كتابه: "الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي" يبيّن فيها أسباب قسوة الجنود الدروز مع المعتقلين العرب:
"وعندما يكون – الدرزي – في الشرطة أو حرس السجون يجد نفسه ممزقاً بين ولائه لشعبه الذي يساهم باضطهاده، وولائه للقمة العيش. هذا التوتر الحاد يعبر عنه الجندي بأشكال شتى: بالقسوة في بعض الأحيان تجاه أبناء شعبه وتجاه ذويه أو تجاه ذاته".
ويقول أيضاً:
"فحرس السجون من الدروز يشاركون بضرب السجناء العرب تنفيذاً للأوامر، وهذا ما يزيد من حدة التمزق في نفوسهم".
حسبنا فيما كتبه أبو مصلح اعترافه بقسوة الجنود الدروز وهمجيتهم في تعاملهم مع المعتقلين العرب في سجون إسرائيل، أما تبريره النفسي: هل هو توتر حاد أو غيره فهذا مما لا يمكن قبوله، ولا أظن أن الرجل مقتنع به، ولكنه من قبيل المجاملة أو التعصب لأبناء طائفته.
[1] - الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي، غالب أبو مصلح، ومن شاء التوسع فليراجع الكتب التالية: رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي، محمد عبد الغني النوواوي، العرب في ظل الاحتلال الإسرائيلي، حبيب قهوجي، التحدي الصهيوني، ماجد عرسان الكيلاني.